أحكام صلاة العيدين

التصنيفات: الفقه, دروس مفرغة, رمضان, فقه عدد الزيارات : 20798

ما زلنا بفضل الله تعالى مع أحكام الصيام فمع الدرس التاسع من أحكام الصيام ومع كتاب فقه السنة للشيخ الجليل سيد سابق بتحقيق الألباني رحمه الله تعالى أيضًا، ومن التعليق عليه أيضًا من كتاب تمام المنة للألباني

وصلنا عند الكلام عن صلاة العيدين
شُرعت صلاة العيدين في السنة الأولى من الهجرة، وهي سنة مؤكدة واظب النبي ﷺ عليها، وأمر الرجال والنساء أي يخرجوا لها لكن هناك من يرى أن الصلاة العيدين واجبة كما في تمام المنة، لأن الأمر المذكور يدل على الواجب، فإذا وجب الخروج وجبت الصلاة من باب أولى كما لا يخفى
فالحق وجوبها لا سنيتها فحسب، ومن الأدلة على ذلك أنها مسقطة للجمعة إذا اتفقتا في يوم واحد، وبالطبع كما قال العلماء أيضا: لا نعلم سنة يخرج لها الصغير والكبير والذكر والأنثى والحائض والطاهر والنفساء والعبد والحر والشيخ الكبير والشاب مثل هذه السنة.
فقالوا إذن هي واجبة وليست سنة

(1) استحباب الغسل والتطيب ولبس أجمل الثياب
فعن جعفر بن محمد، عن أبيه عن جده أن النبي ﷺ كان يلبس برد حبرة -وهو نوع من برود اليمن- في كل عيد. رواه الشافعي والبغوي وله شاهد من حديث ابن عباس.
وقال ابن القيم رحمه الله: وكان ﷺ يلبس لهما أي العيدين أجمل ثياب، وكان له حلة يلبسها للعيدين والجمعة.

(2) الأكل قبل الخروج للفطر دون الأضحى
يُسن أكل تمرات وترا قبل الخروج إلى الصلاة يعني واحدة أو ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا أو تسعًا ..إلخ في عيد الفطر. وتأخير ذلك في عيد الأضحى حتى يرجع من المصلى فيأكل من أضحيته إن كان له أضحية. قال أنس: كان النبي ﷺ لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات ويأكلهنَّ وترًا. رواه أحمد والبخاري.
وعن بريدة قال: كان النبي ﷺ لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل، ولا يأكل يوم الأضحى حتى يرجع. رواه الترمذي وهو صحيح كما في صحيح الترمذي.
وفي الموطأ عن سعيد بن المسيب أن الناس كانوا يؤمرون بالأكل قبل الغدو يوم الفطر. وقال ابن قدمة: لا نعلم في استحباب تعجيل الأكل يوم الفطر اختلافًا.
ومعنى ذلك أن الإنسان في يوم عيد الفطر طالما أنه أُذن للفجر لا يشرب حتى الماء وإنما يستحب له أنه قبل أن يذهب لمصلى العيد أن يأكل تمرات، فإن لم يجد تمرات يأكل أي شيء، المهم ألا يبقى بلا طعام كما لو كان صائمًا، هذا هو المقصد.
أما في عيد الأضحى فإنه لا يأكل شيئًا حتى يضحي ثم يأكل أضحيته إن كان له أضحية.

(3) الخروج إلى المصلى
صلاة العيد يجوز أن تؤدى في المسجد لكن كما نعلم لم يرد أي حديث في أن النبي ﷺ صلاها في المسجد، ولكن أداءها في المصلى خارج البلد أفضل ما عدا مكة، فإن صلاة العيد في المسجد الحرام أفضل ما لم يكن هناك عذر كمطر ونحوه؛ لأن رسول الله ﷺ كان يصلي العيدين في المصلى. والمصلى موضع لباب المدينة الشرقي. ولم يصلِّ العيد في مسجده.
وهنا يقول: “إلا مرة لعذر المطر” وهو حديث ضعيف، قال الحافظ في التلخيص: إسناده ضعيف. وقال الذهبي: هذا حديث منكر. وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود.
إذن لم يصح أي حديث في أن النبي ﷺ كان يصلي صلاة العيد في المسجد، لكن إن صليت فيه لا تكون باطلة، إلا أن الأفضل أن تكون في المصلى.

(4) خروج الصبيان والنساء
يُشرع خروج الصبيان والنساء في العيدين للمصلى، من غير فرق بين البكر والثيب، والشابة والعجوز، والحائض لحديث أم عطية قالت: أُمرنا أن نخرج العواتق والحيَّض في العيدين يشهدن الخير ودعوة المسلمين، ويعتزل الحيَّض المصلى.
والعواتق أي البنات الأبكار.
وعن ابن عباس قال: خرجت مع النبي ﷺ يوم فطر أو أضحى -وكان يومئذ صغيرًا- فصلى ثم خطب، ثم أتى النساء فوعظهن وذكرهن وأمرهن بالصدقة. رواه البخاري.

(5) مخالفة الطريق
ذهب أكثر الأئمة إلى استحباب الذهاب إلى صلاة العيد في طريق والرجوع في طريق آخر سواء كان إمامًا أو مأمومًا، فعن جابر ض قال: كان النبي ﷺ إذا كان يوم عيد خالف الطريق. رواه البخاري.
وعن أبي هريرة قال: كان النبي ﷺ إذا خرج إلى العيد يرجع في غير الطريق الذي خرج فيه. رواه مسلم.
ويجوز الرجوع في الطريق الذي ذهب فيه، لكن الحديث الذي استُدل به على ذلك ضعيف، وهو “كنت أغدو مع أصحاب رسول الله ﷺ إلى المصلى يوم الفطر ويوم الأضحى فنسلك الطريق إلى بطن بطحان … إلخ هذا الحديث ضعيف. قال ابن السكن: إسناده صالح. وهو ضعيف كما في تمام المنة.
يعني كان النبي ﷺ إذا كان يوم عيد خالف الطريق، وهنا: أيهما أفضل: هل الإنسان يمشي وهو ذاهب إلى العيد من الطريق الذي على اليمين ويعود من الطريق الآخر؟ هناك عدة أقوال ذكرها العلماء، ومنها أنهم قالوا: إن النبي ﷺ كان يمر من طريق ويرجع من طريق أخرى حتى يراه أهل الطريقين. وهذه حكمة مخالفة الطريق.
لكن السؤال: من أي الطريقين تمر وأنت ذاهب؟ قالوا كما في فيض القدير: وأنت ذاهب تذهب من الطريق الأبعد، وأنت راجع ترجع من الطريق الأقرب؛ وذلك لتكثير الخُطا في الذهاب.

(6) وقت صلاة العيد
وقت صلاة العيد من ارتفاع الشمس قدر ثلاثة أمتار إلى الزوال، لما أخرجه أحمد بن الحسن البناء من حديث جُندب قال: كان النبي ﷺ يصلي بنا الفطر والشمس على قيد رمحين والأضحى على قيد رمح.
لكن هذا الحديث ضعيف جدًّا
وفي الحديث استحباب تعجيل صلاة عيد الأضحى وتأخير صلاة الفطر.
قال ابن قدامة: ويُسن تقديم الأضحى ليتسع وقت الأضحية، وتأخير الفطر ليتسع وقت إخراج صدقة الفطر، ولا أعلم فيه خلافًا.
أو بمعنى آخر: في صلاة الأضحى تقام الصلاة مبكرًا حتى يذهب الناس إلى الذبح في وقت كافٍ وتُطهى الأطعمة …، أما في صلاة عيد الفطر تؤخر صلاة الفطر ليتسع وقت إخراج صدقة الفطر.

(7) الأذان والإقامة للعيدين
قال ابن القيم: كان ﷺ إذا انتهى إلى المصلى أخذ في الصلاة من غير أذان ولا إقامة ولا قول: الصلاة جامعة. والسنة أن لا يُفعَل شيء من ذلك. انتهى.
وعن ابن عباس وجابر قالا: لم يكن يؤذَّن يوم الفطر ولا يوم الأضحى. متفق عليه.
ولمسلم عن عطاء قال: أخبرني جابر أن لا أذان لصلاة يوم الفطر حين يخرج الإمام ولا بعد ما يخرج ولا إقامة ولا نداء ولا شيء، لا نداء يومئذ ولا إقامة.
وهذا أيضًا في عيد الأضحى.

(8) التكبير في صلاة العيدين
سنرى بعد قليل إن شاء الله أنه ليس هناك منبر في العيدين، وليس هناك استراحة، وكثير من الخطباء يخطئون فيجلس مثل يوم الجمعة ثم يقوم ويحمد الله، والصحيح أنها خطبة واحدة وهو واقف ويدعو وينتهي.
أما الحديث بأن النبي ﷺ ليس هناك استراحة بين الخطبتين، وإنما هي خطبة واحدة وليس هناك منبر ولا ما شابه ذلك. وسنرى ذلك.
صلاة العيد ركعتان يُسن فيهما أن يكبِّر المصلي قبل القراءة في الركعة الأولى سبع تكبيرات بعد تكبيرة الإحرام، وفي الثانية خمس تكبيرات غير تكبيرة القيام، مع رفع اليدين مع كل تكبيرة.
إلا أن رفع اليدين مع كل تكبيرة لا دليل عليه.
قال: وروي ذلك عن عمر وابن عبد الله. لكن في تمام المنة: لا يُسن رفع اليدين مع كل تكبيرة لأنه لم يثبت عن النبي ﷺ.
إذن رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام فقط، ولا ترفع في بقية التكبيرات.
فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي ﷺ كبَّر في عيد اثنتي عشرة تكبيرة، سبعًا في الأولى وخمسًا في الآخرة، ولم يصل قبلها ولا بعدها. رواه أحمد وابن ماجه.
قال أحمد: وأنا أذهب إلى هذا.
وفي رواية أبي داود والدارقطني، قال النبي ﷺ: «التكبير في الفطر سبع في الأولى، وخمس في الآخرة، والقراءة بعدهما كلتيهما».
وهذا القول هو أرجح الأقوال، وإليه ذهب أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين والأئمة.
قال ابن عبد البر: رُوي عن النبي ﷺ من طرق حسان أنه كبَّر في العيدين سبعًا في الأولى، وخمسًا في الثانية من حديث عبد الله بن عمرو وابن عمر وجابر وعائشة وأبي واقد وعمرو بن عوف المزني.
ولم يُرو عنه من وجه قوي ولا ضعيف خلاف هذا. وهو أول ما عُمل به.
وقد كان ﷺ يسكت بين كل تكبيرتين سكتة يسيرة، ولم يُحفظ عنه ذكر معين بين التكبيرات. ولكن روى الطبراني والبيهقي بسند قوي عن ابن مسعود من قوله وفعله أنه كان يحمد الله ويثني عليه ويصلي على النبي ﷺ.
يعني يقوله بين التكبيرات، والحديث حسن عن ابن مسعود أخرجه القاضي إسماعيل في فضل الصلاة عن النبي ﷺ كما في تمام المنة.
واستحب أحمد والشافعي الفصل بين تكبيرتين بذكر الله، مثل أن يقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر. وقال أبو حنيفة ومالك: يكبِّر متواليًا من غير فصل بين التكبير بذكر.
وهذا والله أعلم هو الصحيح؛ لأن النبي ﷺ يقول: «صلوا كما رأيتموني أصلي».
ورُوي ذلك عن حذيفة وأبي موسى. أي الكلام السابق قبل استحباب أحمد والشافعي.
والتكبير سُنة لا تبطل الصلاة بتركه عمدًا ولا سهوًا.
فلو أن الإمام في صلاة العيد كبَّر تكبيرة واحدة وبدأ بقراءة الفاتحة فالصلاة صحيحة لا شيء فيها.
وقال ابن قدامة: ولا أعلم فيه خلافًا، ورجَّح الشوكاني أنه إذا تركه سهوًا لا يسجد للسهو.

(9) الصلاة قبل صلاة العيد وبعدها
لم يثبت أن لصلاة العيد سنة قبلها ولا بعدها، ولم يكن النبي ﷺ، ولا أصحابه يصلون إذا انتهوا إلى المصلي شيئًا قبل الصلاة ولا بعدها.
قال ابن عباس: خرج رسول الله ﷺ يوم عيد فصلى ركعتين لم يصلِّ قبلهما ولا بعدهما. رواه الجماعة.
وعن ابن عمر أنه خرج يوم عيدٍ فلم يصلِّ قبلها ولا بعدها، وذكر أن النبي ﷺ فعله.
وذكر البخاري عن ابن عباس أنه كره الصلاة قبل العيد.
أما مطلق النفل فقد قال الحافظ ابن حجر في الفتح: إنه لم يثبت فيه منع بدليل خاص إلا إن كان ذلك في وقت الكراهة في جميع الأوقات.

(10) مَن تصح منهم صلاة العيد
تصح صلاة العيد من الرجال والنساء والصبيان مسافرين كانوا أو مقيمين جماعة أو منفردين، في البيت أو في المسجد أو في المصلَّى.
ومن فاتته الصلاة مع الجماعة صلى ركعتين.
قال البخاري: (باب) إذا فاته العيد يصلي ركعتين، وكذلك النساء ومَن في البيوت والقرى، لقول النبي ﷺ: «هذا عيدنا أهل الإسلام».
وأمر أنس بن مالك مولاهم ابن أبي عُتبة بالزاوية، فجمع أهله وبنيه وصلى كصلاة أهل المصر -أي المدن- وتكبيرهم.
وقال عكرمة: أهل السواد يجتمعون في العيد يصلون ركعتين كما يصنع الإمام.
وقال عطاء: إذا فاته العيد صلَّى ركعتين.
وهذا مهم في مسألة الرؤية عندما لم يعلم الإنسان بالرؤية أو صلى الفجر ونام ولم يصل العيد واستيقظ الظهر. ولكن سنرى بعد قليل إن شاء الله أنه يجوز للجماعة إذا فاتتها صلاة العيد أن تخرج من اليوم التالي وتصلي.

(11) خطبة العيد
الخطبة بعد صلاة العيد سنة، والاستماع إليها كذلك.
فعن أبي سعيد قال: كان النبي ﷺ يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلَّى.
وأول شيء يبدأ به الصلاة ثم ينصرف، فيقوم مقابل الناس، والناس جلوس على صفوفهم، فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم، وإن كان يريد أن يقطع بعثًا –أي يريد أن يخرج طائفة من الجيش إلى جهة- أن يأمر بشيء أمر به ثم ينصرف.
قال أبو سعيد: فلم يزل يُعمَل على ذلك، حتى خرجت مع مروان وهو أمير المدينة في أضحى أو فطر، فلما أتينا المصلى إذا منبر بناه كثير بن الصَّلْت، فإذا مرْوان يريد أن يرتقيَه قبل أن يصلي -يعني يريد أن يخطب قبل أن يصلي- فجبَذْتُ بثوبه فجبَذَني، فارتفع فخطب قبل الصلاة.
فقلتُ له: غيَّرتم واللهِ.
فقال: أبا سعيد! قد ذهب ما تعلم.
فقلتُ: ما أعلمُ والله خيرٌ مما لا أعلم.
فقال: إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة فجعلتُها قبل الصلاة.
متفق عليه.
وهذا بالطبع كلام باطل ومخالف للسنة، فالصحيح أنه لا يجوز أن تكون الصلاة أولاً ثم الخطبة ثانيًا.
وعن عبد الله بن السائب قال: شهدتُ مع رسول الله ﷺ العيدَ، فلما قضى الصلاة قال: «إنا نخطبُ فمن أحبَّ أن يجلس للخطبةِ فليجلس، ومن أحب أن يذهب فليذهبْ» رواه النسائي وأبو داود وغيره، وهو صحيح كما في تمام المنة.
وكل ما ورد في أن للعيد خطبتين يفصل بينهما الإمام بجلوس فهو ضعيف.
قال النووي رحمه الله: لم يثبت في تكرير الخطبة شيء.
ويُستحب افتتاح الخطبة بحمد الله تعالى، ولم يُحفَظ عن رسول الله ﷺ غير هذا.
قال ابن القيم: كان ﷺ يفتتح خُطبَه كلها بالحمد لله، ولم يُحفَظ عنه في حديث واحد أنه كان يفتتح خطبتَي العيد بالتكبير.
وقد اختلف الناس في افتتاح خطبة العيدين والاستسقاء، فقيل: يُفتتَحان بالتكبير، وقيل تُفتَتح خطبة الاستسقاء بالاستغفار، وقيل يُفتَتحان بالحمد.
قال شيخ الإسلام تقي الدين: هو الصواب -أي بالحمد وليس بالتكبير-؛ لأن النبي ﷺ قال: «كلُّ أمر ذي بال لا يُبدَأ فيه بالحمد فهو أجذم» وإن كان في إسناده كلام.
وكان ﷺ يفتتح خُطبَه كلها بالحمد لله. وأما قول كثير من الفقهاء: أنه يفتتح خطبة الاستسقاء بالاستغفار وخطبة العيدين بالتكبير فليس معهم فيها سنة عن النبي ﷺ البتة، والسنة تقضي خلافه، وهو افتتاح جميع الخطب بالحمد لله.
لكن ورد أن النبي ﷺ أحيانًا كان يعطي دون خطبة الحاجة، مثلًا عندما قال «رحم الله أخي لوطًا»، وعندما قال «رحم الله أخي يوسف» وغيره. وفي كل هذا لم يبدأ بالحمد.

(12) قضاء صلاة العيد
لا نقصد قضاء الصلاة لواحد بمفرده، ولكن للجماعة إذا لم يعرفوا هلال العيد.
قال أبو عمير بن أنس: حدثني عمومتي من الأنصار من أصحاب رسول الله ﷺ قالوا: أُغمي علينا هلال شوال وأصبحنا صيامًا، فجاء ركْبٌ من آخر النهار فشهِدوا عند رسول الله ﷺ أنهم رأوا الهلال بالأمس فأمرهم رسول الله ﷺ أن يُفطروا وأن يخرجوا إلى عيدهم من الغد.
يعني يفطروا لكن يصلون في اليوم التالي لوقت صلاة العيد.
رواه أحمد والنسائي وابن ماجه بسند صحيح.
وفي هذا الحديث حُجة للقائلين بأن الجماعة إذا فاتتها صلاة العيد بسبب عذر من الأعذار أنها تخرج من الغد فتصلي العيد.

(13) اللعب واللهو والغناء والأكل في الأعياد
اللعب المباح، واللهو البريء، والغناء الحسن، ذلك من شعائر الدين التي شرعها الله في يوم العيد، رياضةً للبدن وترويحًا عن النفس، قال أنس: قدِمَ النبي ﷺ المدينةَ ولهم يومان يلعبون فيهما فقال: «قد أبدلَكم اللهُ تعالى بهما خيرًا منهما: يومَ الفطر والأضحى» رواه النسائي وغيره. وهو صحيح كما في صحيح النسائي.
وقالت عائشة رضي الله عنها: “إن الحبشة كانوا يلعبون عند رسول الله ﷺ في يوم عيد فاطَّلعتُ من فوق عاتقه، فطأطأ لي منكِبَيه، فجعلتُ أنظر إليهم من فوق عاتقه حتى شبعتُ ثم انصرفت”. رواه البخاري ومسلم.
ورويا أيضًا عنها قالت: دخل علينا أبو بكر في يوم عيدٍ وعندنا جاريتان يذكران يوم بُعاث – وهو اسم حِصن للأوْس، ويوم بُعاث يوم مشهور من أيام العرب كانت فيه مقتلة عظيمة للأوْس على الخزرج- يومًا قُتل فيه صناديد الأوْس والخزرج، فقال أبو بكر: عبادَ الله، أمزمور الشيطان -يعني في بيت رسول الله- قالها ثلاثًا. فقال رسول الله ﷺ: «يا أبا بكر، إن لكل قومٍ عيدًا، وإن اليوم عيدنا».
ولفظ البخاري: قالت عائشة: دخل عليَّ رسولُ الله ﷺ وعندي جاريتان تُغنيان بغناء بُعاث، فاضطجع على الفراش وحوَّل وجهه، ودخل أبو بكر فانتهرني وقال: مزمارة الشيطان عند النبي ﷺ! فأقبل عليه النبي ﷺ فقال: «دعهما» فلما غفَل غمزتُهما فخرجتا.
وكان يوم عيد يلعب السودان بالدَّرَق -أي التروس- والحراب، فإما سألت النبي ﷺ وإما قال: «تشتهين تنظرين؟» فقلتُ: نعم، فأقامني وراءه، خدِّي على خدِّه وهو يقول: «دونَكم يا بني أرْفِدة» -وهو لقب الحبشة- حتى إذا مللتُ قال «حسبك؟» قلتُ: نعم. قال: «فاذهبي».
قال الحافظ في الفتح: وروى ابن السراج من طريق أبي الزناد، عن عروة، عن عائشة أنه ﷺ قال يومئذٍ: «لتعلمَ يهودُ المدينة أن في ديننا فُسحة، إني بعثت بحنيفية سمحة». حسن بشواهده.
وفي مسلم يقول ﷺ قال: «أيام التشريق أيامُ أكلٍ وشرب، وذكر لله عز وجل».
وهنا خطأ يقع فيه كثير من الناس، وهو:
أولًا: الغناء المباح ينبغي ألا يكون فيه وصف رجل لامرأة أو من امرأة لرجل، أو أحدهما لمخنَّث.
ثانيًا: ألا يكون معهما آلة.
ثالثًا: أن يكون الغناء من الجواري يعني البنات الصغار اللاتي لم يبلغن سن الحيض. وهذا مذهب الإمام ابن القيم رحمه الله في إغاثة اللهفان، وهو موجود في باب حكم الموسيقى الغناء في كتاب “ففروا إلى الله” نقلًا من إغاثة اللهفان، وهو مفصَّل هناك.
أما ما أريد أن أنبِّه عليه: إذا قلنا إن غناء الأفراح بهذه الكيفية هو مباح -وليس مستحبا ولا واجبًا- بالشروط السابقة التي ذكرناها. ولا تُسجَّل هذه الأغاني ثم تُسمع في غيرها، هذا لا يجوز لأنها خاصة بالعيد.
أيضًا أثناء القتال والجهاد، فالرجال يقولون أشعارًا وأناشيد تقوِّي العزيمة فلا تُسجَّل بحيث تُستمع بعد ذلك، لأن هذا الإنشاد خاص بالعيد أو القتال.

(14) فضل العمل الصالح في أيام العشر من ذي الحجة
عن ابن عباس أن النبي ﷺ قال: «ما من أيامٍ العملُ الصالحُ أحبُّ إلى الله عز وجل من هذه الأيام» (يعني أيام العشر) قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: «ولا الجهادُ في سبيل الله، إلا رجلٌ خرجَ بنفسِه وماله ثم لم يرجعْ بشيء من ذلك» رواه الجماعة إلا مسلمًا والنسائي.
وقال ابن عباس في قوله تعالى {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ} [الحج: 27] هي أيام العشر.
وكان ابن عمر وأبو هريرة يُخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبِّران ويكبر الناس بتكبيرهما. رواه البخاري.
وكان سعيد بن جُبير إذا دخل أيام العشر اجتهد اجتهادًا شديدًا حتى ما يكاد يقدر عليه.

(15) استحباب التهنئة بالعيد
عن جُبير بن نُفير قال: كان أصحاب رسول الله ﷺ إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: (تقبَّل منا ومنك) . قال الحافظ: إسناده حسن. وهو صحيح كما في تمام المنة.

(16) التكبير في أيام العيدين
التكبير في أيام العيدين سنة، ففي عيد الفطر قال الله تعالى: {وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون} [البقرة: 185] وفي عيد الأضحى قال: {وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203]. قال ابن عباس: هي أيام التشريق. رواه البخاري. وقال: {كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [الحج: 37].
وجمهور العلماء على أن التكبير في عيد الفطر من وقت الخروج إلى الصلاة إلى ابتداء الخطبة. وهذا في عيد الفطر.
وقد رُوي في ذلك أحاديث ضعيفة وإن كانت الرواية صحَّت بذلك عن ابن عمر وغيره من الصحابة.
قال الحاكم: هذه سُنة تداولها أهل الحديث. وبه قال مالك وأحمد وإسحق وأبو ثور.
وقال قوم: التكبير من ليلة الفطر إذا رأوا الهلال حتى يغدو إلى المصلى وحتى يخرج الإمام.

وقت التكبير
وقته في عيد الاضحى من صُبح يوم عرفة إلى عصر أيام التشريق وهي اليوم الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر من ذي الحجة.
قال الحافظ في الفتح: ولم يثبت في شيء من ذلك عن النبي ﷺ حديث، وأصح ما ورد فيه عن الصحابة قول علي وابن مسعود: إنه من صُبح يوم عرفة إلى عصر آخر أيام مِنى.
أخرجه ابن المنذر وغيره.
وبهذا أخذ الشافعي وأحمد وأبو يوسف ومحمد، وهو مذهب عمر وابن عباس.
والتكبير في أيام التشريق لا يختصُّ استحبابه بوقت دون وقت، بل هو مستحبٌّ في كل وقت من تلك الأيام. (وهذا في عيد الأضحى وليس الفطر)
قال البخاري: وكان عمر  يكبر في قُبتِه بمِنى فيسمعه أهل المسجد فيكبِّرون ويكبِّر أهل السوق حتى يرتجَّ مِنى تكبيرًا.
وكان ابن عمر يكبِّر بمنى تلك الأيام، وخلف الصلوات، وعلى فراشه وفي فُسطاطه ومجلسه وممشاه تلك الأيام جميعًا، وكانت ميمونة تكبِّر يوم النحر، وكان النساء يكبِّرن أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز ليالي التشريق.
قال الحافظ: وقد اشتملت هذه الآثار على وجود التكبير في تلك الأيام عقب الصلوات وغير ذلك من الأحوال. وفيه اختلاف بين العلماء في مواضع، فمنهم من قصر التكبير على أعقاب الصلوات، ومنهم من خصَّ ذلك بالمكتوبات دون النوافل، ومنهم من خصَّه بالرجال دون النساء، وبالجماعة دون المنفرد، وبالمؤدَّاة دون المقضية، وبالمقيم دون المسافر، وبساكن المدن دون القرية: وظاهر اختيار البخاري شمول ذلك للجميع والآثار التي ذكرها تساعده.
يعني التكبير يشمل كل هذه الأصناف.
وأما صيغة التكبير فالأمر فيها واسع.
وأصح ما ورد فيها ما رواه عبد الرزَّاق عن سلمان بسند صحيح قال: “كبِّروا: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كيرًا”.
وجاء عن عمر وابن مسعود: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
والحمد لله الذي أعاننا على أننا انتهينا من كافة أحكام الصيام، وقد تكلمنا عن القيام وزكاة الفطر وعن الاعتكاف، وعن صلاة العيدين، وكل هذا بفضل الله تعالى.

اللهم اقسِم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلِّغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهوِّن به علينا مصائب الدنيا، ومتِّعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا أبدًا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلِّط علينا من لا يرحمنا، آمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
سبحانك ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

هذه المواد من أراد أن ينشرها فلينشرها دون إذن وليتق الله فيها.