المعاني التي تتم بها حياة الصلاة

التصنيفات: الصوتيات, دروس مفرغة, متفرقات, مقاطع مختارة عدد الزيارات : 452

المعاني التي تتم بها حياة الصلاة

والمعاني التي تتم بها حياة الصلاة كثيرة
المعنى الأول: حضور القلب كما ذكرنا، ومعناه أن يُفرغ القلب من غير ما هو ملابس له، وسبب ذلك الهمة، فإنه متى أهمك أمر حضر قلبه ضرورة فلا علاج لإحضاره إلا صرف الهمة إلى الصلاة، وانصراف الهمة يقوى ويضعف بحسب قوة الإيمان بالآخرة واحتقار الدنيا، فمتى رأيت قلبك لا يحضر في الصلاة فاعلم أن سببه ضعف الإيمان فاجتهد في تقويته.
والمعنى الثاني من المعاني التي تتم بها حياة الصلاة: التفهُّم لمعنى الكلام، فإنه أمر وراء حضور القلب؛ لأنه ربما كان القلب حاضرًا مع اللفظ دون المعنى، فينبغي صرف الذهن إلى إدراك المعنى بدفع الخواطر الشاغلة وقطع موادها، فإن المواد إذا لم تنقطع لم تنصرف الخواطر عنها.
المعنى الثالث: التعظيم لله والهيبة، وذلك يتولَّد من شيئين: معرفة جلال الله تعالى وعظمته ومعرفة حقارة النفس، وأنها مستعبَدة فيتولد من المعرفتين الاستكانة والخشوع.
ومن ذلك الرجاء، فإنه زائد على الخوف، فكم من معظِّم ملكًا يهابه لخوف سطوته كما يرجو برَّه، والمصلي ينبغي أن يكون راجيًا بصلاته الثواب كما يخاف من تقصيره العقاب.
وينبغي للمصلي أن يحضر قلبه عند كل شيء من الصلاة، فإذا سمع نداء المؤذن فليمثل النداء للقيامة، ويشمِّر للإجابة، ولينظر ماذا يجيب، وبأي بدن يحضر.
وإذا ستر عورته -أي عندما يلبس القميص أو الثوب أو المرأة الجلباب- فليعلم أن المراد من ذلك تغطية فضائح بدنه عن الخلق، فليذكر عورات باطنة وفضائح سره التي لا يطلع عليها إلا الخالق، وليس لها عنه ساتر، وأنه يكفِّرها الندم والحياء والخوف.
وإذا استقبل القبلة فقد صرف وجهه عن الجهات إلى جهة بيت الله تعالى، فصرف قلبه إلى الله تعالى أولى من ذلك، فكما أنه لا يتوجَّه إلى جهة البيت إلا بالانصراف عن غيرها، كذلك القلب لا ينصرف إلى الله تعالى إلا بالانصراف عما سواه.
وإذا كبَّرت أيها المصلي فلا يُكذِّبنَّ قلبُك لسانَك؛ لأنه إذا كان في قلبك شيء أكبر من الله تعالى فقد كذبت، فاحذر أن يكون الهوى عندك أكبر بدليل إيثارك موافقته على طاعة الله تعالى.
فإذا استعذتَ -أي قلتَ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم- فاعلم أن الاستعاذة هي ملجأ إلى الله سبحانه، فإذا لم تلجأ بقلبك كان كلامك لغوًا، وتفهَّمْ معنى ما تتلو، وأحضر التفهُّم بقلبك عند قولك “الحمد لله رب العالمين”، واستحضر لطفه عند قولك “الرحمن الرحيم” وعظمته عند قولك “مالك يوم الدين” وكذلك في جميع ما تتلو.
وقد رُوِّينا عن زُرارة بن أبي أوفى رضي الله عنه أنه قرأ في صلاته {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} [المدثر: 8] فخر ميتًا، وما ذاك إلا لأنه صوَّر تلك الحال فأثرت عنده تلف.
واستشعر في ركوعك التواضع، وفي سجودك زيادة الذل؛ لأنك وضعت النفس موضعها، وردتَ الفرع إلى أصله بالسجود على التراب الذي خُلقت منه، وتفهَّم معنى الأذكار بالذوق.
واعلم أن أداء الصلاة بهذه الشروط الباطنة سبب لجلاء القلب من الصدأ، وحصول الأنوار فيه التي بها تتلمح عظمة المعبود سبحانه، وتطلع على أسراره وما يعقلها إلا العالمون.
فأما من هو قائم بصورة الصلاة دون معانيها فإنه لا يطلع على شيء من ذلك بل ينكر وجوده.
انتهى من (مختصر منهاج القاصدين) ونقلًا عن كتاب (ففروا إلى الله).

هذه المواد من أراد أن ينشرها فلينشرها دون إذن وليتق الله فيها.